سورة الفتح - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} وقد ذكرنا عن أنس أن الصحابة قالوا لما نزل: {ليغفر لك الله}: هنيئًا مريئًا فما يفعل بنا فنزل: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} الآية.
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} أهل النفاق بالمدينة وأهل الشرك بمكة، {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} أن لن ينصر محمدًا والمؤمنين، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} بالعذاب والهلاك، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ} أي تعينوه وتنصروه، {وَتُوَقِّرُوهُ} تعظموه وتفخموه هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وها هنا وقف، {وَتُسَبِّحُوهُ} أي تسبحوا الله يريد تصلوا له، {بُكْرَةً وَأَصِيلا} بالغداة والعشي، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {وليؤمنوا}، {ويعزروه ويوقروه ويسبحوه} بالياء فيهن لقوله: في {قلوب المؤمنين}، وقرأ الآخرون بالتاء فيهن.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا، {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: علي أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا يزيد بن زريع، عن خالد، عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج، عن معقل بن يسار، قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر.
قال أبو عيسى: معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت، أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل، وبايعه آخرون، وقالوا: لا نفر.
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم.
وقال السدي: كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه، ويد الله فوق أيديهم في المبايعة.
قال الكلبي: نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة.
{فَمَنْ نَكَثَ} نقض البيعة، {فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} عليه وباله، {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} ثبت على البيعة، {فَسَيُؤْتِيهِ} قرأ أهل العراق {فسيؤتيه} بالياء، وقرأ الآخرون بالنون، {أَجْرًا عَظِيمًا} وهو الجنة.


{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ} قال ابن عباس، ومجاهد: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة، وأشجع وأسلم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربًا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل، فأنزل الله تعالى فيهم: {سيقول لك المخلفون من الأعراب} يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك، إذا انصرفت إليهم فعاتبهم على التخلف.
{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} يعني النساء والذراري، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم {فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} تخلفنا عنك، فكذبهم الله عز وجل في اعتذارهم، فقال: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} من أمر الاستغفار، فإنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لا.
{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} سوءًا، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} قرأ حمزة والكسائي: {ضرا} بضم الضاد، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع والنفع ضد الضر، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم أنه: إن أراد بهم شيئًا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه. {بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.


{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون، {وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ} زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا وأصحابه أكلة رأس، فلا يرجعون، فأين تذهبون معه، انتظروا ما يكون من أمرهم. {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} هلكى لا تصلحون لخير.
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5